: صفحة البداية > الجمعية العامة > مجلس الرئاسة > > لقاء في القاهرة
محمد سعد الكتاتني (يسار) ونوربرت لامرت في القاهرة (3/4/2012)
يتحدد مستقبل مصر السياسي في هذه الأسابيع، وفي غضون ذلك يبحث البرلمان المصري عن دوره المستقبلي. ولعله لم يكن بمقدور رئيس البوندستاغ البروفيسور الدكتور نوربرت لامرت أن يختار وقتاً أفضل لزيارة القاهرة من الآن (من الثاني حتى الرابع من أبريل/نيسان 2012): ففي نهاية شهر مايو/أيار سيقرر المواطنون المصريون مَن سيكون رئيسهم الجديد، وذلك بعد أن أُجريت في يناير/كانون الثاني أول انتخابات نيابية حرة بعد سقوط الديكتاتور حسني مبارك قبل عام، وهي الانتخابات التي أسفرت عن فوز ساحق للإخوان المسلمين والسلفيين.
التردد في تقديم النصح
كان التردد واضحاً على لامرت عندما كان المتحدثون في القاهرة يسألون الضيف القادم من ألمانيا أن يقدم لهم النصح. وقال لامرت "إن أولى تجارب ألمانيا مع الديمقراطية فشلت فشلاً ذريعاً، ولهذا ينبغي علينا، نحن الألمان، أن نتوخى الحذر عندما نقوم بدور المعلمين"، مشيراً إلى حقبة "جمهورية فايمر" الألمانية حيث لم يستطع الدستور أن يحول دون انهيار الديمقراطية ومولد ديكتاتورية هتلر.
وأضاف لامرت أن على مصر أن تجد وحدها الطريق الملائم لها، وهو ما فعلته ألمانيا أيضاً خلال محاولتها الثانية لإقامة نظام ديمقراطي، فهي لم تنسخ الظروف السياسية السائدة في بريطانيا العظمى وفرنسا والولايات المتحدة.
"تنظيم قواعد العمل بالنسبة للمؤسسات السياسية"
بالرغم من ذلك كانت الآذان مصغية تماماً عندما راح لامرت يتحدث أمام أعضاء مجلسي الشعب والشورى عن مبادئ الديمقراطية ومفهومه لعمل البرلمان. وينهض مجلس الشورى المصري بمهام تمثيلية، في حين يتمتع مجلس الشعب بسلطات أكثر وضوحاً. وأوضح لامرت أن مبدأ الديمقراطية معناه أن تصدر الأغلبية قرارها، غير أن جوهر الديمقراطية لا يتجلى إلا عند توفير الحماية للأقليات.
وأضاف أن على البرلمان أن يراقب أداء الحكومة، وأنه لا يمثل بأي شكل من الأشكال ذراعاً للحكومة، بل يمكن اعتباره أهم منظمة غير حكومية. وهكذا انتقل لامرت للحديث عن الوضع السيء لمؤسسة كونراد أديناور. وكان من الواضح أن الإجراءات القضائية التي تواجه المؤسسة الألمانية لا تسبب الارتياح لدى رئيس مجلس الشعب محمد سعد الكتاتني، لا سيما وأنه يقدّر المؤسسة التي بدأت تعمل في مصر قبل ثلاثين عاماً. وأكد الكتاتني أن لجنة حقوق الإنسان في البرلمان ستعمل سريعاً على وضع مشروع قانون ينظم على نحو يولد الثقة ظروفَ عمل المنظمات السياسية، وهو ما كان مفتقداً حتى الآن.
الإحباط لدى مَن خرجوا "خاسرين" من الثورة
إن الأغلبية البرلمانية التي يقودها الكتاتني بصدد إصدار قرار مبدئي، وهو تحديد العلاقة بين الدين والسياسة. وتتوقف قضايا عديدة على شكل تلك العلاقة، منها على سبيل المثال تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور التي تثير جدلاً في الوقت الراهن، فالأحزاب الليبرالية تقاطع عمل هذه اللجنة طالما ظل الإخوان المسلمون والسلفيون يمثلون أغلبيتها العظمى.
ويعترض على تشكيل هذه اللجنة ناشطو الثورة بصورة خاصة، من مدونين شبان ونساء وسياسيين جدد، فالدين لا يحتل بالنسبة لهؤلاء صدارة الاهتمام. وقد شعر لامرت مراراً بالإحباط السائد لدى من خرجوا "خاسرين" من الثورة، سواء خلال حديثه في معهد غوته أو في الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي، وهو ما ذكرّه بالمناضلين من أجل حقوق الإنسان في ألمانيا الشرقية الذين شعروا بإحباط مماثل في مارس (آذار) 1990 بعد إجراء أول انتخابات برلمانية حرة في ربوع ألمانيا المتحدة عام 1990. "أحد هؤلاء المناضلين أصبح رئيساً لألمانيا"، قال لامرت مُحاوِلاً أن يرفع من معنويات الحاضرين. لكن كلماته لم تمثل عزاءً حقيقياً لهم.
"لن تصبح مصر دولة دينية"
ومن غير المحتمل أن يتم وضع دستور جديد في مصر قبل إجراء الانتخابات الرئاسية. وحتى لو تم التوصل قريباً إلى اتفاق حول تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، فليس من المتوقع أن يحل دستور جديد تماماً محل الدستور الحالي. ومن المنتظر أن تبقى الأبواب الأربعة الأولى من الدستور بدون تغيير، أما الباب الخامس المعدل فينبغي أن يحدد ما إذا كانت مصر جمهورية رئاسية أو برلمانية، وكذلك كيفية تقاسم الصلاحيات بين الرئيس والبرلمان والحكومة. لن تصبح مصر دولة دينية – هكذا يؤكد الإخوان المسلمون، غير أنهم يعرفون جيداً أن ما يقولونه لا يلقى التصديق بدون تحفظات.
ولذلك فإن كسب الثقة هو في رأي الكتاتني ما ينبغي فعله الآن. إنه يرى أن البرلمان هو ممثل حقيقي للمجتمع، وأن عليه أن يعكس تطلعات المواطنين ومطالبهم، وأن يترجمها في العملية التشريعية أو السياسية". وقد عبّر الكتاتني عن رؤيته لمهمة البرلمان في الكلمة التي ألقاها مؤخراً خلال لقاء الاتحاد البرلماني الدولي في كامبالا بأوغندا. وكان لامرت قد سافر إلى هناك قبل زيارته لمصر مباشرة.
اهتمام بتبادل الخبرات مع البوندستاغ
وأعرب الكتاتني، أمين عام حزب الحرية والعدالة، عن اهتمامه البالغ بتبادل الخبرات مع البوندستاغ. وسوف تسافر الجماعة البرلمانية الألمانية المصرية إلى مصر في نهاية أبريل (نيسان)، وفي الخريف سيكون بمقدور مجموعة من النواب المصريين، يُقدر عددها ما بين ثمانية إلى عشرة نواب، الحضور إلى برلين للإطلاع على الهياكل التنظيمية في البوندستاغ.
غير أن ظروف العمل في ألمانيا تختلف جذرياً عنها في القاهرة حيث لا يتوافر للنواب مكاتب ولا مساعدون، ولا حتى أجهزة تليفونات لاستخدامها في نطاق عملهم بالبرلمان.